مدونة كاتب إماراتي

مدونة ترسم كلماتها أقلام إماراتية مبدعة ، تحمل هم الوطن ، وتكتب دفاعا عنه ، بفكر معتدل ، ورؤية وسطية

من قيم زايد الخير في تأسيس دولة الإمارات

لقد تُوِّج تاريخ الإمارات بصفحات مضيئة من سيرة قائد عظيم، حمل على عاتقه همّ بناء جيل ناهض في كافة المستويات، وبناء دولة تنافس العالم في الصدارة والريادة، كانت تطلعات إلى آفاق من المستقبل الزاهر ينبض بها ذلك القلب الكبير، ولم يكن الأمر في الواقع مفروشا بالورود، بل كانت مواجهة حقيقة وقوية وحازمة ومصيرية مع التحديات والصعاب التي كانت تحاصر ذلك الفارس من كل جهة، فهناك الصحراء المترامية التي تزمجر بقساوتها وتوغلها، وهناك الفُرقة التي تكتنف أبناء هذه المنطقة، وهناك الإمكانات المادية المحدودة آنذاك، وهناك القوى التي لا تريد لهذه المنطقة وحدة ولا خيرا وتكيد المؤامرات، وهناك الكفاءات البشرية المحدودة نتيجة قلة التعليم، وهناك وهناك وهناك.
لقد نظر ذلك الفارس العربي المسلم الأصيل إلى هذه التحديات بعين البصيرة والطموح والحزم، لم يتهاون في تقدير حجم المصاعب، ولم ينظر إليها على أبعد من كونها واقعًا يمكن تغييره، لقد كان يعلم جيدا أنها تحديات كبيرة ولكنَّ طموحه وحزمه وإصراره على النجاح وقبل ذلك إيمانه ويقنيه بالله كان أكبر من هذه التحديات كلها.
وهناك في قلب الصحراء ترى ذلك الفارس العربي المسلم يرتجل من صهوة جواده ويشمِّر عن سواعده الأبية، ينظر إلى السماء نظرة ذات معنى وهو يناشد ربه أن يمده بعونه ثم يهوي على صخور التحديات ليضربها بمعول شديد من العزم والإصرار والجد والمثابرة ليتفجر مع هذه الضربات المتوالية ألوانا من الخير والتوفيق، وهناك حيث كان الفارس يعمل بكل عزم وإصرار هناك قامت دولة الإمارات تلك الدولة الفتية الشامخة التي تفجرت بالخيرات والنهضة والتنمية لتعلن للعالم كله أن زايدا لم يكن رجلا عاديا بل كان فارسا أصيلا من نوع خاص جمع بين الإيمان واليقين والشهامة والنبل والشدة والحزم والحكمة وبعد النظر، كان فارسا عربيا أصيلا خرج من قلب هذا الصحراء.
لقد أسس زايد الخير دولة الإمارات على قيم نبيلة خرجت من قلبٍ مخلصٍ لتاريخ هذه الأرض وأصالتها وإشراقاتها وموروثاتها، ممزوجة بأدوات مفعمة بروح العصر الحديث ومعارفها المختلفة، في مزيج خلاب يجمع بين أصالة الماضي ومعطيات الحاضر، ومن هذه القيم النبيلة:
1- قيم الوحدة والاتحاد.
لقد كان الاتحاد القضية الكبرى التي تشغل عقل والدنا زايد وقلبه وتفكيره، فلن تقوم للمنطقة قائمة ولن تهنأ باستقرار من دون الاتحاد، ومن هنا ومع الأيام الأولى للانسحاب البريطاني من المنطقة كرَّس فارس النهضة زايد الخير كل إمكاناته وطاقاته لقيام دولة الاتحاد، وبذل من أجل تحقيق هذه الغاية كل الجهد وعمل بكل عزم وحكمة وحصافة، حتى تتكللت تلك المساعي بفضل الله سبحانه بالنجاح، وتم الإعلان في الثاني من ديسمبر 1971م عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، لينضم إليها بعد ذلك في فبراير 1972م إمارة رأس الخيمة ليصبح الاتحاد سباعيا من سبع إمارات، ولقد تُوِّجت هذه التجربة الوحدوية الساطعة بنجاح منقطع النظير نتيجة اقتناع راسخ بوحدة الهدف وإيمان جازم بوحدة المصير والدعائم الكبرى التي كانت تجمع الجميع في دولة واحدة تشق طريقها وبكل قوة إلى آفاق الريادة والصدارة.
وهناك كان حلم الشيخ زايد يتجاوز المدى إلى تحقيق وحدة عربية وإسلامية شاملة، وكانت خطاباته تزخر بهذه المعاني الكبيرة، لم يكن يكلّ أو يملّ أبدا، بل كان هذا الحلم الوحدوي الكبير يستصحبه في خطاباته وكانت على رأس تطلعاته وأولياته، ليرحل وقد ترك بصمة فريدة ونموذجا رائدا متميزا في تاريخ الوحدة والاتحاد ربما تكون يومًا من الأيام سببا لتحقيق ذلك الحلم الكبير الذي كان يطمح إليه زايد في حياته.
2- قيم التعاون على البر والمعروف.
لقد ضرب والدنا الشيخ زايد أروع الأمثلة في تكريس ثقافة التعاون على الصعيد الداخلي والخارجي، حتى أصبحت هذه القيمة النبيلة من الأمور المسلَّمات بين الأسر الحاكمة والمجتمع الإماراتي ورجالات البلد، لقد كان الشيخ زايد يؤمن بأن الله سبحانه وهب الثروة للبشر ليسعد بعضهم بعضا وليقوم بعضهم بحوائج بعض، ومن هنا فلم يبخل على أحد بشيء، بل مد يد العون للقريب والبعيد، وأقام جسور التعاون في الداخل والخارج؛ على المستوى الداخلي وعلى مستوى دول مجلس التعاون وعلى المستوى العربي والإسلامي والدولي، حتى أصبح الشيخ زايد رمزا من رموز البذل والعطاء في هذا العصر، عرفه القاصي والداني وأحبوه، وصار لاسمه رنينا مميزا في قلوب الفقراء والمساكين والمحتاجين في أصقاع الأرض.
3- قيم العزم والإصرار على النجاح.
لقد عُرف زايد الخير بقوة العزيمة والصبر والإصرار على النجاح واستسهال المصاعب في مغالبة التحديات، فكان حاله كما قال الشاعر:
لأستسهلنَّ الصعب أو أدرك المنى … فما انقادت الآمالُ إلا لصابرِ
وعلى الرغم من أن هناك من رأى أن التغيير قد وصل إلى حد المستحيل آنذاك فلم تكن هذه الكلمة لتفتُّ من عزيمة والدنا زايد، حيث لم تكن لهذه الكلمة مكانا في قاموسه، فبذل كل سبب حتى صار ذلك التغيير الذي وُصف بالمستحيل واقعا ملموسا وحقيقة مشهودة وصرحا يُشار إليه بالبنان.
لقد كان زايد الخير يتدرَّع بسلاح من نوع خاص، سلاح لا يعرف الإنسان معه معنى لليأس والإحباط، لقد كان سلاح الشيخ زايد هو التوكل والإيمان واليقين، لقد كان يعلم أن هذه الأرض لله، وأنه سبحانه القادر على كل شيء، ومن هنا كان والدنا زايد يستمد من ربه العون ويأخذ بكل الإمكانات والأسباب المتاحة بروح مفعمة بالأمل والطموح، لم يكن يتخوف من الفشل أبدًا، وإنما كان يبذل كل ما يستطيع، هذا ما كان يهم زايد بالدرجة الأولى، ومن هنا نجح تلك النجاحات الباهرة التي سطرتها أقلام التاريخ.
4- تكريس تعاليم الإسلام وقيمه وسماحته.
لقد بنى زايد الخير رحمه الله دولة الإمارات على تعاليم الإسلام الحنيف وسماحته وقيمه العظيمة، حرص على ترسيخ هذه القيم والمبادئ منذ أول يوم، وأكد على الهوية الإسلامية للدولة غاية التأكيد، وبذل الأسباب في ترسيخ الثقافة الإسلامية السمحة في جذور المجتمع الإماراتي في وقت كانت تحاول فيه أصوات الشيوعية وغيرها أن تخترق العقول.
لم يكن التأكيد على الثقافة الإسلامية وترسيخها غريبا على الشيخ زايد، فقد كانت هذه القيم مصاحبة له منذ أيامه الأولى، فقد كان هو ذلك الفتى الذي حرص على تلقي تعاليم الإسلام، “وتعلَّم أن القرآن ليس كتاب دين فحسب، بل تنظيم شامل لجميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كان القرآن النسيج الذي حيكت منه حياته، وتعلَّم أن يعود إلى آياته عند كل خطْب”.
حرص والدنا الشيخ زايد طيب الله ثراه على استجلاب تعاليم الشرع الحنيف من الكتاب والسنة ومصادر التشريع، وحث على ذلك العلماء والقضاة، فنشأ المجتمع متمسكا بدينه، مستصحبًا تعاليمه الحنيفة وسماحته واعتداله وأخلاقه العليا، وكانت المذاهب الفقهية الأربعة من مكونات المجتمع الإماراتي، في روح وحدوية قائمة على التآلف والمحبة والوئام بعيدة كل البعد عن التعدديات الحزبية والطائفية التي لا تورث إلا الفرقة والبغضاء والتي يحاول أن يكرس لها اليوم أناس شذوا عن خطا مؤسسي هذه الدولة وقادتها وقيمها.
5- إكرام الضيف وحفظ حقوقه.
لقد كان إكرام الضيف وحفظ حقوقه من القيم البارزة التي رسخها الشيخ زايد طيب الله ثراه في دولة الإمارات، وهي ثقافة عربية وإسلامية أصيلة قائمة على حسن الضيافة وإكرام الضيف وحفظ عرضه وماله ودمه إلا بحقه، فلا يجد الضيف عند والدنا زايد إلا الإكرام بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه أو مكانته أو ديانته، ذلك الذي ولَّد نظرة إيجابية كبرى في الداخل والخارج حتى أصبح الناس الذين يتوافدون على الدولة من كافة الأصقاع رغبةً في العيش أو التجارة أو غير ذلك يجدون هذه القيمة واقعا ملموسا مشهودا.
وليس هذا بغريب على الفارس العربي المسلم الأصيل الشيخ زايد، فقد كان كرمه وحسن ضيافته طبعا عربيا أصيلا فيه منذ نعومة أظفاره، وكان محط إعجاب الجميع وتقديرهم.
إلى جانب قيم أخرى كالعدل والشورى والصفات النبيلة الكثيرة التي جعلت من والدنا الشيخ زايد رجل تاريخ وأمة من العمل الدؤوب والحرص على التنمية والازدهار ونكران الذات في سبيل إسعاد الآخرين والتواضع والإخلاص والشجاعة والحزم والثبات والرحمة والرفق وغير ذلك من الصفات والقيم الأصيلة.
لقد حفظ التاريخ اسم زايد وخلَّد ذكره رمزا ساطعا بارزا لرجل بذل كل ما يستطيع لإسعاد شعبه، إن كل شبر من هذه الأرض ينطق باسم زايد الخير، إنه ذلك الرجل الذي أصبح اسمه في كل ضمير وروح على أرض هذا الوطن.
رحم الله والدنا الشيخ زايد رحمة واسعة وأجزل له الأجر والمثوبة ورفع درجته في عليين وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وحفظ خلفه وذريته وعلى رأسهم رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد الذي كان بحق وصدق خير خلف لخير سلف، وحفظ الله ولي عهده سمو الشيخ محمد بن زايد، وحفظ جميع حكام الإمارات ووفقهم لكل خير وبارك فيهم ورفع درجتهم في الدنيا والآخرة.

Single Post Navigation

2 thoughts on “من قيم زايد الخير في تأسيس دولة الإمارات

  1. جندي الامارت on said:

    رحمه الله واسكنه الجنة وتجاوز عنه وهو كان رحيما على شعبه كريم قل امثاله تغمده الله برحمته وحفظ خلفه رئيس الدوله ووفقه للخير..

  2. رحمه الله عندما توفي بكيت مع أنني لم أراه شخصيا ولكن أحسست انه إنسان راقي محب لشعبه وذو قلب طيب .

أضف تعليق